(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن دول "مجلس التعاون الخليجي" تُعرّض العمال الوافدين لصيفٍ قاتلٍ آخر جراء الحر الشديد من دون حماية كافية. تتجاهل هذه الدول الأدلة العلمية التي تشير إلى عدم كفاية استخدام الروزنامة لحظر العمل في منتصف النهار لحماية العمال من المخاطر الصحية المرتبطة بالحر.
قال مايكل بيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "مع حلول كل صيف، يظهر كيف أن أزمة المناخ تُفاقم كارثة الصحة والسلامة المهنية لملايين العمال الوافدين المعرضين بشكل خطير للحر الشديد في دول الخليج. يلقى العمال الوافدون حتفهم بدون داعٍ، ويتعرضون للفشل الكلوي، ويعانون من أمراض مزمنة أخرى بسبب تلكؤ دول الخليج في تطبيق إجراءات حماية العمال القائمة على الأدلة".
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن مخاطر الحر الشديد مع 19 عاملا وافدا في السعودية والإمارات وقطر والكويت من يوليو/تموز 2024 إلى مايو/أيار 2025، وكذلك مقابلات مع مئات العمال في عامَي 2023 و2024.
كان ثمة إصلاح بارز هو قرار مجلس الوزراء البحريني لعام 2025 بتمديد حظر العمل في منتصف النهار في الصيف ليصبح ثلاثة أشهر، من 15 يونيو/حزيران إلى 15 سبتمبر/أيلول، بدلا من 1 يوليو/تموز إلى 31 أغسطس/آب. ورغم إيجابية القرار، فإنه لا يتعدى كونه يجعل السياسة البحرينية متماشية مع سياسات دول الخليج الأخرى.
لا تكفي إجراءات الحظر المستندة إلى الروزنامة، إذ يحدث الحر الشديد خارج ساعات أو أشهر سريان الحظر. فقد وجدت دراسة أن العمال في السعودية يتعرضون للحر الأشد من الساعة 9 صباحا إلى منتصف النهار، في حين يسري الحظر بين الساعة 12 ظهرا و3 عصرا، وأن العمال في الشركات الملتزمة بحظر العمل ما زالوا يتعرضون للحر بشكل كبير. كما وجدت دراسة أخرى، أُجريت في الكويت، زيادة كبيرة في خطر الإصابات المهنية المرتبطة بدرجات الحرارة المرتفعة للغاية، رغم الحظر.
في مايو/أيار 2025، سجلت دبي أعلى درجة حرارة لها ليومين متتاليين، حيث وصلت إلى 51.6 درجة مئوية، محطمة بذلك رقمها القياسي السابق البالغ 50.2 درجة مئوية المسجل عام 2009. كما وردت تقارير مماثلة في الكويت.
أصبحت ظروف الحر الشديد هذه أكثر تواترا وتحدث في وقت أبكر، إذ تقع في مايو/أيار. ولا يبدأ سريان حظر منتصف النهار في الإمارات والكويت ودول أخرى قبل 15 يونيو/حزيران فقط، في حين ارتفعت درجات الحرارة بشدة في السعودية وعُمان.
قال عامل بناء سابق مقيم في السعودية إن مواعيد العمل عُدِّلت خلال أشهر الصيف لتبدأ الساعة 4 صباحا. أضاف: "بحلول 8 صباحا، كان الجو حارا جدا، وأصبح لا يُطاق بحلول الساعة 10".
كان رب عمله يخصم من أجور العمال الذين يراهم يستريحون أثناء ساعات العمل، ويخصم أجر يومين عن كل يوم غياب عن العمل. أضاف: "خلال العامين اللذين قضيتهما في السعودية، خُصم من أجري مرتين عندما اكتشفوا أنني أستريح. كنا ننام في منطقة الاستراحة خلال فترة حظر العمل في منتصف النهار، ولكن لم يكن ثمة مكيف هواء أو ثلاجة لطعامنا، الذي كان غالبا ما يفسد. لكن كان لدينا ماء بارد".
يُشكل التعرض للحر الشديد خطرا صحيا جسيما. حيث يمكن أن يُسبب طفحا حراريا، أو تشنجات، أو إجهادا حراريا، أو ضربة شمس، والتي قد تكون بدورها قاتلة أو ذات عواقب تدوم مدى الحياة مثل الفشل الكلوي في مرحلته النهائية.
قال عامل في السعودية إنه أصيب بنزيف في الأنف ثلاث مرات في صيف 2024، وأضاف: "نزف أنفي هذا العام أكثر من السنوات السابقة. يتوقف النزيف بمجرد الذهاب إلى منطقة مظللة والاستراحة، أما إذا زاد النزيف، فلا يمكنك العمل".
قال كهربائي في الكويت: "أشعر بالدوار والقيء وألم الرأس وتشوش الرؤية مرات عديدة. ينهار كثيرون بسبب الحر. ليس فقط الناس، يمكنك حتى رؤية الطيور تتساقط ميتة أثناء الطيران نتيجة الحر... في مواقع البناء، ينهار العمال أحيانا أو يُغمى عليهم. أُغمي عليّ أنا أيضا مرات عدة قبل عامين عندما كنت أعمل في مدرج مطار".
بدل حظر العمل في منتصف النهار المستند إلى الروزنامة، ينبغي للحكومات والشركات استخدام تدابير قائمة على المخاطر، مثل مؤشر ميزان الحرارة الرطب المستخدم على نطاق واسع، والذي يقيس الإجهاد الحراري المهني بناء على درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية، والذي وصفه الخبراء بأنه "ضرورة أساسية" إلى حين اتخاذ تدابير أكثر صرامة.
قطر هي الوحيدة التي اعتمدت المؤشر عام 2021، وحتى ذلك الحين، كان الحد الأقصى لدرجة الحرارة لوقف العمل في الهواء الطلق هو 32.1 درجة مئوية، لكن هذا الحد مرتفع جدا، وما تزال ثمة ثغرات في تطبيقه. وفقا لدراسة أكاديمية حديثة، حتى درجات ميزان الحرارة الرطب التي تتراوح بين 30 و32 درجة مئوية تُسبب إجهادا حراريا شديدا لدى البشر.
وثقت هيومن رايتس ووتش أن قدرة العمال على الراحة، والتزود بالمياه، والتعافي من التعرض للحر، تعتمد على جملة أمور، منها إمكانية استخدام مناطق راحة مظللة، وماء بارد، وتغذية سليمة، وأماكن إقامة وخدمات نقل مكيفة.
تشمل مشاكل سكن العمال فترات الانتظار الطويلة لاستخدام المطابخ والحمامات، ونقص الماء البارد للاستحمام، وتأخر استجابة الشركات لإصلاح أعطال مكيفات الهواء في غرف العمال الوافدين المكتظة. قال عامل مقيم في السعودية: "نشعر وكأننا نستيقظ متعبين ونأخذ أجسادا منهكة إلى العمل".
قد تدفع بعض العوامل المهنية العمال إلى إرهاق أنفسهم. قال سائقا توصيل في الكويت - أحدهما راكب دراجة والآخر سائق سيارة - إنه من الصعب تحقيق أهداف التوصيل الشهرية، والتي بدونها تُخفض رواتبهما. يزيد الحر صعوبة العمل على راكبي الدراجات، حيث تُطفأ الهواتف في الحر الشديد، وتُظهر انعكاسات الحرارة الطريق ضبابيا، وتذوب الإطارات.
قال راكب الدراجة: "في الشهر الماضي، سقطتُ مرتين. عندما يصطدم هواء ساخن بدرجة حرارة 49 درجة بوجهك، كيف تشعر؟ أشبِّه عملي... بجمل صحراوي. ليس لدينا أي خيار غير شرب الماء والجري". رحّب بتمديد الكويت حظر العمل وقت الظهيرة على راكبي الدراجات اعتبارا من 1 يونيو/حزيران، وقال: "أتمنى لو خُفِّضت أهداف التوصيل أيضا، لأن تحقيقها سيزيد صعوبة العمل، حيث سيعمل جميع راكبي الدراجات الآن في نوبات مسائية وليلية".
راسلت هيومن رايتس ووتش جميع دول الخليج الست بشأن خططها للحماية من الحرارة. أكدت الإمارات على التزام الشركات العالي بحظر العمل وقت الظهيرة، والعقوبات المفروضة على عدم الامتثال، بدون معالجة الاستفسارات المتعلقة بتعزيز السياسة نفسها. ولم تقدم الدول الأخرى ردودا جوهرية.
تشمل الخطوات الفورية التي يمكن لدول الخليج اتخاذها اعتماد تدابير حماية من الحر قائمة على المخاطر وفعالة من حيث التكلفة، مثل مؤشر ميزان الحرارة الرطب، مع عتبات مناسبة تستند إلى كثافة العمل لفرض جداول عمل وراحة مستندة إلى الأدلة، وضمان توفر المياه ومناطق الراحة المظللة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الأدلة تشير إلى وجود "جدوى اقتصادية" قوية لتحسين الحماية من الحر، لأنها تُمكّن عمال الدعم من أن يكونوا أكثر إنتاجية وأمانا وصحة.
يقوّض الحظر أو القيود المفروضة على النقابات العمالية في دول الخليج، إلى جانب القيود الصارمة على حرية التعبير والوصول إلى مواقع العمل، التحالف القوي اللازم بين صانعي السياسات، وأخصائيي الصحة المهنية، وأصحاب العمل، والمجتمع المدني، وممثلي العمال، والنقابات العمالية لتحقيق حماية أساسية للعمال، بما فيها الحماية من مخاطر الحر الشديد.
قال بيج: "تتمتع دول الخليج بالقدرة والخبرة اللازمتين للاضطلاع بدور قيادي في القضية العالمية المتعلقة بالحماية من الحر، بدلا من فرض واقع يُمارس فيه الخبراء الرقابة الذاتية، ويخشى فيه العمال الوافدون فقدان سبل عيشهم إذا تحدثوا علنا عن مخاطر قد تُكلفهم حياتهم".